“بريد تيفي”: عماد بلفقير
كثيرة هي الترهات والأكاذيب التي أجبرنا على تجرعها كحقائق ثابتة لا يأتيها الباطل بين يديها ولا خلفها ولا فوقها ولا تحتها، حديثي اليوم عن أكذوبة روج لها عبر الزمان والمكان، أكذوبة عبقرية، تحت عنوان ” العبقرية”.
لطالما نسمع عن “السوبر” بشر، لهم قدرات فوق الطبيعة، الصناعة والفكر والإبداع لا تبتدىء ولا تكتمل إلا بهم ومعهم، يولدون هكذا ويموتون كذلك، هم العباقرة، هم الصفوة، وهم الميز العنصري للطبيعة، فإما تكون عبقريا أو لا تكون، إما فوق البشر أو مع البشر.
أصل الكلمة بالعربية يرجع للعرب القدامى الذين كانوا يظنون أن المفوهين من الشعراء، والبارعين بكل مجال، تسكنهم أرواح الجن، والتي تأتي من قرية “عبقر”، ثم تعمم استعمال الكلمة على كل من ينبغ ويأتي بمنجزات غير مسبوقة وباهرة ، وكانت العبقرية موضوع بحوث وجدالات علمية وأكاديمية، بين من ينتصر للوراثة كعامل وحيد أوحد، ومن يقول أن العبقرية صناعة.
تقدم العلم وبدأ يحل ألغاز الطبيعة، ووضع “عباقرة” قيد البحث “عباقرة” آخرين، وتتوالى النتائج تباعا، تختلف ميادينها ودقتها ومصدرها، لتتبق على أمر واحد، كلنا عباقرة…
فمعدلات الذكاء المرتفعة لم تصنع عباقرة، “ماريلين فو سافون” كاتبة أمريكية عادية جدا، رغم امتلاكها لأكبر معدلات مشهودة للذكاء، وتعدو أن تكون غير مرئية ومؤثرة، والجملة التاريخية ل”توماس أديسون” يعزو فيها العبقرية ل99 بالمائة من الإجتهاد و1 بالمائة من الموهبة، وعالمة الدماغ “ناثالي زوريو ” رفقة طاقمها تثبت تفعيل مناطق زائدة بالدماغ للعباقرة مقارنة مع البقية، الشيء الممكن على الأقل نظريا بالنسبة لكل البشر فقط بالممارسة.
المعايير الموحدة التي ورثناها تضعنا في خنادق تحد من التفكير والإبداع، وتجعل منا نسخا مكررة، وأساليب التعليم بمدارسنا بدائية، تصنفنا ل”كسول” يجلس في الصف الأخير، و”منونخ” دائم السرحان، ومجتهد يحمل نظارات بزجاج سميك… أنظمة عبثية تجعل من الشعب الأدبية شعب من لا شعبة له، وأستاذ يكرر نفسه وكلامه ثلاثين سنة، ويقول أن له تجربة عقد من الزمان، في حين هي سنة واحدة تكررت ثلاثين سنة، ألبرت إنشتاين يقول للعالم: إذا طلبت من السمكة أن تتفوق في تسلق الأشجار، فإنها ستقتنع يقينا أنها أغبى المخلوقات.
خلاصة القصة، أودع الخالق بذواتنا رصيدا بنكيا لا نهاية له، كل واحد منا يكتفي بصرف ما قيل له أنه بحسابه، فلا تدعهم يقولوا لك، فالله قبلهم قال “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”