“بريد تيفي”: أحمد المرسي
إذا كان المطلوب من القوانين التنظيمية، أن تكون مطابقة للدستور وللقواعد المتعارف عليها في مجال التشريع الدستوري، إلى جانب تقيد إصدارها بالولايةالتشريعية الحالية كفترة زمنية محددة، طبقا للفصل 86 من الدستور، الذي أوجب أيضا، أن تعرض قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، فإننا نجد العديد منالقوانين التنظيمية التي أصدرتها الحكومة، باعتبارها سلطة تنفيذية حسب الفصل 72 من الدستور، لم تتضمن الشروط السالفة الذكر، بل ومن المتوقع أن لاتحترم حتى المسطرة التشريعية، بأن تعرض على البرلمان من أجل التداول والمصادقة عليها.
يتعلق الأمر على الخصوص، بمشروعي قانون كل من الأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، المنصوص عليهما في الفصل الخامس من الدستور،القانونين اللذين تمت المصادقة عليهما خلال المجلس الوزاري الأخير، الذي انعقد بمدينة طنجة دون إدخال تعديلات عليه، مثلما كان متوقعا..
وإذا كانت الحركة الأمازيغية، قد نجحت في كسب رهان إقرار رسمية الأمازيغية، رغم ما رافق المرحلة من محاولات لبعض الجهات،لأجل إجهاض الإقرارالدستوري بالتعدد اللغوي ومراجعة النظرة التقليدانية للوضع الهوياتي والثقافي للمغرب ﻷول مرة في تاريخ المغرب ــــــ الفصل الخامس ــــ، إلا أن تفعيل مكسبالترسيم اصطدم بتوجهات أول حكومة، تأتي مباشرة بعد دستور 2011، من خلال إبدائها لأكثر من مرة، عدم رغبتها في إخراج القوانين التنظيمية في السنواتالأولى من ولايتها، بمبررات ظهر في نهاية المطاف، أنها مجرد ذرائع لأجل الممطالة، قصد إصدار مشاريع قوانين تنظيمية بالطريقة والمضمون الذي تريد.
وهنا القصد يعود على الحزب الأغلبي، الذي فضل تغليب موقفه الإديولوجي من الأمازيغية، وإقصاء مفهوم “التشاركية” وحتى التوجه العام للبلد، باستغلالتواجده في الحكم، وتغييب مقترحات الحركة الأمازيغية وكل القوى الديموقراطية الحية، التي ظلت ترافع وتنبه من الوضع الحالي الذي آلت إليه القوانينالتنظيمية، من اختلالات أثارت الكثير من النقاشات، ليس فقط على مستوى مضمونها، بل قبل ذلك، من خلال المنهجية والطريقة التي اعتمدت في إعدادهاوإحجام مقترحات الحركة الأمازيغية وباقي فرقاء المجتمع المدني..
فالمسار الذي سلكه الملف الأمازيغي وعلى الخصوص القوانين التنظيمية، تثبت بما لا يدع مجالا للشك، على أن الصراع الذي خاضته الحركة الأمازيغية معالحزب الأغلبي الحكومي ولا تزال، هو في عمقه صراع بين القوى الحداثية التقدمية ذات المرجعية المستندة على الديمقراطية والعلمانية وغيرها من القيمالإنسانية، مع مرجعية إقصائية، جاء بها ما عرف بـ”الربيع العربي”، واستغلت الصلاحيات التي مُنحت لها في دستور 2011، لتتحول إلى “خريف” أتى ليس فقطعلى أمال وانتظارات الحركة الأمازيغية، بل أيضا، على انتظارات الشعب المغربي بأكمله، بعد خمس سنوات وهم في مناصب المسئولية..
وبذلك، تكون الولاية الحكومية التي سنودعها خلال أيام معدودة، قد أخلفت الموعد في بناء توافق وطني، حول أحد أهم الملفات الحساسة التي كان يعولالجميع، على أن تكون بعيدة عن أي توظيف إيديولوجي من شأنه أن يضر بما راكمته بلادنا من مكتسبات، ترسي التعدد اللغوي وتراجع النظرة السائدة إزاءالوضع الثقافي والهوياتي للمغرب..
وللإشارة، فإنه إلى جانب ما تخلل مشروعي قانون كل من الأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية من علل شملت مضامينهما التي لا ترقى إلى مستوى الانتظارات أثارت الكثير من النقاشات، فإن المشروعين لم يودعا على البرلمان كما ينص على ذلك الفصل 86 من الدستور، وبذلك نحن بصدد، ضرب للمقتضيات الدستورية من طرف الحكومة.