“بريد تيفي”: ع ر
بعض الأحزاب ستدخل الانتخابات مرة أخرى وبطريقة انتحارية دون الأخذ بعين الاعتبار موقعها الحالي في الرقعة السياسية من جهة، وكذا ترتيب بيتها الداخلي من جهة أخرى. ففي هذه الأحزاب لا نبالي إلا بتقديم مرشحين دون الوعي بالتحليل الإديولوجي للمرحلة الراهنة، مرحلة بقطيعة كبيرة مع الماضي الانتخابي، الذي كانت تتحكم فيه كليا، قوى من داخل المؤسسة الانتخابية، التي تعمل جاهدة لكي تمر هذه الانتخابات بطريقة أقل ضررا من سابقاتها.
إذا أردنا أن نتحدث عن استحقاقات السابع أكتوبر، لابد من أن نرجع إلى تلك التي سبقتها، بل وأكثر من ذلك يجب تشريحها جيدا لإدراك معانيها وأخذ العبر لمن يريد أن يفهم، وكذا التعامل معها بجدية وبعيدا عن التحالفات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، تحالفات أوقعت البعض في فخاخ كبيرة، وأبانت عن ضعف سياسي وعدم القدرة على تحمل المسؤولية والبحث فقط عن أغلبية وهمية تضرب من تحت الحزام.
..حقيقة أن من سيفوز بهذه الاستحقاقات، سيبحث عن أغلبية، وهذا أمر بديهي، لأن المرء من طبعه إرادته الدائمة أن يسود لوحده ولا يناقشه في ذلك أحد، ما يحتم عليه أن يفوز بالأغلبية إن استطاع إلى ذلك سبيلا، عكس ذلك يجب عليه أن يلجأ إلى منطق التحالفات، إلا أنه في اللعبة السياسية يبدو أحيانا أن المنطق لا منطق له، والحسابات ضيقة والأرقام بنواقص مبعثرة وخاطئة، لا تبالي بالميزان الحقيقي والعقلي للأشياء.
قبل دخول الانتخابات، كل الأحزاب تتقدم ببرامج، وبالأحرى اقتراحات غالبا لا تجد لها في الواقع فعلا،قبل الانتخابات وليس بعدها، الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها المملكة بعيدة كل البعد عن ما يسمى ببرامج هذه الأحزاب، والتي تتسابق من أجل الإغواء والإغراء وكسب الأصوات.
العبرة التي يجب أن نأخذها من الانتخابات السابقة، هي أن نكون أكثر وضوحا ولو تطلب ذلك الانتقال من أغلبية إلى معارضة، ففي الدول الديموقراطية، المعارضة لها وقع أكبر وبكثير من الأغلبية، وتثير نقاشات جادة، كما تسائل الأغلبية وتدفعها إلى العمل والترشيد والحكامة، بالإضافة إلى عملها جاهدة لإعادة حساباتها وترميم بيوتها استعدادا للمراحل الآتية.. نقاشات واهية، وبلا روح أو وجود، داخل قبة يعتبر فيها السياسيون، رجالا ونساء همهم الأول والأخير ضرب الأشخاص، عوض نقاش حول ما هو الأصلح للمملكة ومواطنيها، إذ أنه في الدول الديموقراطية تصوت المعارضة لصالح بعض برامج الأغلبية التي تراها نافعة للبلاد، وفي الدول الأكثر دمقرطة، غالبا ما تكون الحكومات مهددة بملتمسات الرقابة وبأشياء تجعلها أقرب إلى الموت إن هي تهاونت أو تخلت عن عهودها اتجاه المواطنين.. نحن نتحالف من أجل التحالف فقط، لا ندري على أي أساس يتم ذلك، فالدعوة مفتوحة لكل من يريد أن ينال منصبا حكوميا ويستوزر من أجل الاستوزار
على من الانتخابات يهيبون جميع المواطنين بالمشاركة، لتسجيل نسبة كبيرة وبالتالي مصداقية أكبر، لا سيما أمام العالم الخارجي، فتبدأ وسائل الإعلام عندنا، لا سيما المسموعة والمرئية، بإعلانات لا تثير انتباه المغاربة كثيرا، لأنها لا تختلف عن وصلات الإشهار العادية، أما في الإعلام المكتوب والالكتروني، كثيرا ما نتحدث عن الأشخاص وليس البرامج لأمر في نفس يعقوب، كما أن المؤسسة الانتخابية، حذرت بل ومنعت من استطلاعات الرأي لأنها تفسد العمليات الانتخابية، كما أن المجتمع المغربي لا زال غير مستعد لهذا النوع من المقاربات، التي من شأنها أن تقود العملية، بل ربما تأتي بأشياء لم تكن في الحسبان.
في الدول الديموقراطية، استطلاعات الرأي مؤشر يكاد يكون حقيقيا وذا أهمية قصوى لدى الأحزاب لوضع الأصابع على مكامن الخلل وإصلاحها قبل فوات الأوان، وللناخبين أيضا لفهم حقيقة مجتمعهم والطريقة التي يريدون بها، إعطاء الفرصة للآخر من أجل التغيير، وبعض الأحيان من أجل المعاقبة السياسية، أما عندنا فالتجربة ممنوعة، وكل شيء حسب أهواء القائمين على الانتخابات.. لا قراءة جيدة ولا ندعوا الناخب إلا بإدلاء صوته أو بالأحرى إعطائه دون الإلمام بالعواقب.
هذه هي استحقاقاتنا، تمر السنوات والانتخابات لا تتغير، تمر الانتخابات والمغاربة لا يتغيرون، يشاركون من دون أن يشاركوا، صياح كثير دون جدوى، رؤساء أحزاب يترددون على المنابر الإعلامية ببرامج سريالية لا تناسب واقع هذا المجتمع.. مغاربة يتنافرون في صمت إلى الانتخابات المقبلة، لأن انتخابات السابع من أكتوبر قد انتهت قبل الأوان.